17 أيار 2024
بُنيت العملية السياسية السورية على جملة بيانات وقرارات دولية، كان أولها بيان جنيف 1 عام 2012، الذي دعا إلى حل سياسي في سوريا، وتشكيل هيئة حكم انتقالي وتحقيق بيئة آمنة ومحايدة، ووضع دستور جديد وإجراء انتخابات حرة، تلاه قرار مجلس الأمن رقم 2118 لعام 2013، الذي كرّس بيان جنيف 1، ثم جاء القرار الدولي 2254 لعام 2015، الذي تحدّث عن انتقال سياسي ديمقراطي في سوريا ضمن بيئة آمنة ومحايدة، وكتابة دستور جديد، والإفراج عن المعتقلين، وعودة المهجّرين، وإدخال المساعدات للشعب السوري من دون قيد أو شرط، وفك الحصار عن المناطق المحاصرة.
لم يتحقق تطور ملموس على مستوى ما يؤمل في البيانات والقرارات، بسبب الخلافات الدولية وتعطيل النظام السوري وحلفائه لمسار الحل السياسي، بدءاً من مؤتمر جنيف 2 عام 2014 مع المفاوضات السورية ـ السورية، إلى مؤتمر فيينا 1 عام 2015، الذي دعا للبدء بـ “عملية سياسية تؤدي إلى حكومة موثوقة وشاملة، غير طائفية، ثم وضع دستور وإجراء انتخابات” بإدارة الأمم المتحدة.
بدأت فكرة تأسيس هيئة التفاوض السورية بعد مؤتمر فيينا 1 و2، من أجل إيجاد جسم سياسي يضم كل تشكيلات المعارضة السورية للبدء بمفاوضات مع النظام السوري، ضمن مسارات ترعاها الأمم المتحدة، تم تكليف السعودية دولياً بجمع المعارضة السورية السياسية والعسكرية في مؤتمر الرياض 1 في أيلول عام 2015، وتم تشكيل الهيئة العليا للمفاوضات، مع 100 شخصية سورية من كل الأطياف والتيارات السورية المعارضة، وقد خاضت 4 جولات من المفاوضات مع النظام في جنيف.
في تشرين الثاني 2017، عُقد مؤتمر الرياض 2، وتمّت توسعة هيئة التفاوض السورية، بحضور أكبر للشخصيات المستقلة السورية، وأصبحت الهيئة تضم المكونات الآتية: الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي، منصة القاهرة، منصة موسكو، المجلس الوطني الكردي، الفصائل العسكرية، والمستقلون، كما تشكّل للهيئة نظام داخلي تم إقراره.
تسعى الهيئة إلى أن يُمثّل النظام السياسي السوري القادم كل أطياف الشعب، لا مكان فيه لبشار الأسد ورموز نظامه، وتعتبر أن “الحل السياسي هو الخيار الإستراتيجي” الأول، وفق بيان جنيف 1 والقرارات الدولية 2118 و2254، القاضية بإنشاء هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات التنفيذية، ومن أجل هذا خاضت الهيئة جولتين من المفاوضات السياسية مع النظام السوري تحت إشراف الأمم المتحدة.
تم الاتفاق بين القوى السورية المعارضة في هيئة التفاوض السورية على ورقة سميت “ورقة النقاط الـ 12” التي تم تبنيها أولاً في سوتشي بروسيا، وانتقلت إلى جنيف، والتي سماها المبعوث الدولي الخاص حينها ستيفان دي ميستورا في تشرين الثاني 2017 في مؤتمر جنيف 8 “المبادئ الاثنا عشر الأساسية والحية للأطراف السورية”، وكان الجزء الأهم ما يتعلق بلجنة دستورية تقوم على الإصلاح الدستوري.
في 23 أيلول 2019، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن تشكيل “اللجنة الدستورية السورية”، واعتبرها بداية المسار السياسي للخروج من الأزمة وفق القرار 2254، ولدى اللجنة مهمة رئيسة، وهي تحقيق إصلاح دستوري يسهم في التسوية السياسية في سوريا، وجاء تشكيل اللجنة الدستورية وفق قرار مجلس الأمن 2254 لتيسير العملية السياسية، مع جدول زمني لصياغة دستور جديد، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة تحت إشراف الأمم المتحدة.
وفق قرار تشكيل اللجنة الدستورية السورية، فإن اللجنة الدستورية تتكون من هيئتين، مصغرة وموسعة، الهيئة الموسعة تضم 150 عضواً، 50 من طرف حكومة النظام السوري، و50 من طرف هيئة التفاوض السورية، و50 من قبل المجتمع المدني. في حين تضم الهيئة المصغرة 45 عصواً من الذين ينتمون للهيئة الموسعة، 15 مرشحاً لكل طرف، أي حكومة النظام، وهيئة التفاوض السورية، والمجتمع المدني، والمهمة الرئيسة للهيئة المصغرة هي إعداد وصياغة المقترحات الدستورية، على أن تقوم الهيئة الموسعة بإقرارها، ووفق ما دعا المبعوث الخاص، فإن ما يقرب من 30 بالمئة من أعضاء الهيئتين الموسعة والمصغرة يجب أن يكنّ من النساء.
وفي هذا الصدد، أي ما يخص مشاركة المرأة السورية بشكل فعال، فإن هيئة التفاوض السورية تعتبر أن المرأة السورية هي شريك كامل في صنع القرار، مع دور قيادي لها في المؤسسات السورية وخاصة صياغة الدستور، بما يسهم في تحقيق التسويات السياسية والسلم المستدام. لذلك فإن كل تقدم في مجال تمكين المرأة يعتبر خطوة إيجابية باتجاه تفعيل دورها ومنحها المزيد من القدرة على التأثير، ما يجعلها تسهم بشكل أفضل في مواجهة التحديات في الحياة السياسية، وفي حمل أعباء بناء مجتمع ديمقراطي يتسم بالمساواة بعد الحرب، جنباً إلى جنب مع الرجل.
هذا المنظور لتمكين المرأة ينطلق من أن الحرب في سورية كان لها أثر واسع على المرأة بشكل خاص، فالمرأة تمثل نصف المجتمع، وكانت لها مشاركتها الفعالة والكبرى في الثورة للخلاص من الدكتاتورية والانتقال إلى الديمقراطية، فهي الأم والأخت والبنت، التي عانت فقد الرجل في شتى المواقع، على المستوى النفسي والاجتماعي والاقتصادي، ومن بين أشكال المعاناة، فقدت كثير من النساء المعيل لهن ولعائلتهن. ولكون المرأة قد تحملت الجزء الأكبر من المعاناة نتيجة القمع الذي مارسه نظام الأسد، فكان طبيعياً أن يكون لها دور في بناء المجتمع من جديد، ويتطلب هذا الأمر تمكينها في الأدوار القيادية لمواجهة التحديات الكبرى من أجل تحقيق السلام والتنمية.
تكافح هيئة التفاوض السورية من أجل ثنائية العنوان، بحيث لا تترك النظام يستفرد بالتمثيل السوري في مختلف الساحات، كما تكافح لإبقاء القرار 2254 فعّالاً، ويتم البناء عليه في السياسات المختلفة على المستوى الأممي والدولي، وتتبنى سياسة تقوم على المبادرات، بحيث تحقق مكاسب ولو جزئية على كل المستويات، وتسعى في كل المحافل إلى أن تُحافظ على القرارات الدولية الرئيسة التي سيتم بناء الحل السياسي عليها، والتي يحاول النظام وحلفاؤه تجاوزها، كما تبذل جهوداً لإبقاء القضية السورية قضية رئيسة على المستوى الدولي والإقليمي، على اعتبارها قضية رئيسة في المنطقة، ولا يمكن للمنطقة أن تجد الاستقرار إلا بحل عادل للقضية السورية.
من أجل تحقيق ذلك، تعتمد هيئة التفاوض السورية على السعي والدفع باتجاه تنفيذ القرارات الدولية، من خلال عدة مسارات:
جميع الحقوق محفوظة © 2024 هيئة التفاوض لقوى الثورة والمعارضة السورية