فدوى العجيلي: لن تتنازل هيئة التفاوض عن القرارات الأممية وعدم ضغط المجتمع الدولي بشكل جدي سيؤدي إلى مزيد تفاقم الوضع وتهديد وجود سوريا

فدوى العجيلي

ترى فدوى العجيلي، عضو هيئة التفاوض السورية، في حوار مع المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن هناك عجزاً دولياً وعدم استخدام كامل للنفوذ لمنع أي طرف من تعطيل الحل السياسي، لافتة إلى أن غياب الحل فاقم كل الملفات العالقة، منها ملف اللاجئين ومخيم الهول وقضية المعتقلين وغيرها.
وأكدت أن تنفيذ القرارات الدولية أمر لا يمكن أن تتنازل عنه هيئة التفاوض مهما كانت الضغوطات.

 

س- التأجيل والمماطلة في تنفيذ القرار 2254 ضاعف المأزق السوري، برأيكم كيف يمكن الضغط دولياً وإقليمياً لدعم تنفيذ القرار الذي يُخشى أن يتم التخلي عنه؟
ج-تهدف القرارات الدولية التي صدرت منذ عام 2011 وحتى الآن، وعلى رأسها بيان جنيف والقراران الدوليان 2118 و2254، إلى إيجاد حل سياسي مستدام للقضية السورية، وإحداث التغيير السياسي المطلوب عبر هيئة حكم انتقالي، ولقد وافقت جميع الدول المعنية بالشأن السوري على هذه القرارات، وهي واجبة التنفيذ، وأي تأجيل أو مماطلة يُعقّد الأوضاع ويزيد المأساة ويُبعد التسوية القادرة على إنقاذ سوريا من الدمار.
-جميعنا يعرف أن القضية السورية باتت قضية دولية، لهذا فقد شارك المجتمع الدولي والدول الكبرى في وضع الحل السياسي لها، وذلك يُحمّل المجتمع الدولي مسؤولية، ويحتم عليه الضغط من أجل تنفيذ هذه القرارات، وإيجاد آليات تُلزم جميع الأطراف بتنفيذ بنودها، وفرض عقوبات على الطرف الذي يُعطّل هذه القرارات، وهذه مسؤولية يتحملها في واقع الأمر المجتمع الدولي ومجلس الأمن والدول الكبرى بشكل مشترك، وتُحاول هيئة التفاوض العمل على هذا الأمر، وتذكير المجتمع الدولي بواجباته والتزاماته تجاه الشعب السوري ومطالبه المشروعة تجاه مأساة هي من أكبر المآسي المعاصرة.

 

س- كيف تقرؤون “المماطلة” الدولية في اتجاه تعطيل الحل السوري؟
ج-من الأفضل أن نصفها بأنها عجز وعدم استخدام كامل للنفوذ لمنع أي طرف من تعطيل الحل السياسي المتفق عليه دولياً في سوريا، لقد كان من الخطأ عدم اعتماد آليات مُلزمة تُجبر جميع الأطراف على تنفيذ القرارات الأممية المتعلقة بالقضية السورية، والاعتماد فقط على حسن النوايا، والضبابية وإبقاء الباب مُشرّعاً لمساومات وتوازنات بين الدول الكبرى المتدخلة في الشأن السوري، وهذا أخّر الحل السياسي للقضية السورية، وفي مرحلة لاحقة أتت أزمات دولية كبرى، مثل الحرب الروسية على أوكرانيا والحرب الغاشمة على غزة والأزمات الاقتصادية وغيرها، لتؤثر بشكل كبير على الملف السوري وتدفعه إلى درجات أقل أهمية بالنسبة للدول الكبرى.
-نحن في هيئة التفاوض السورية نرى أن تنفيذ القرارات الدولية أمر لا يمكن التنازل عنه ولا مهرب منه، ومحاولة النظام السوري المماطلة في تنفيذ هذه القرارات، وعدم ضغط المجتمع الدولي بشكل جدّي، سيؤدي إلى استمرار المأساة وتفاقم الوضع الإنساني والاقتصادي والأمني وسيهدد وجود سوريا.

 

س- يواجه اللاجئون العائدون إلى سوريا اعتقالات وتنكيل، لعدم توفر ضمانات حقيقية قبل العودة، علماً وأن أغلب من عاد من لبنان كان مجبراً. أين دور المعارضة في حمايتهم، وهل تحوّل لبنان من بيئة حاضنة لمليون ونصف المليون لاجئ إلى بيئة طاردة لهم؟
ج-على خلفية ما يجري مع اللاجئين السوريين في لبنان، والتعامل العنصري معهم، ومحاولة إعادتهم قسراً إلى سوريا، نؤكد على أن سوريا ليست بلداً آمناً ومستقراً بكافة المقاييس، ولا يوجد أي ضمانات لعودة كريمة لأي سوري، فما زال العائدون قسراً يتعرضون للاعتقال والتعذيب والاختفاء أحياناً، وتتحمل السلطات اللبنانية المسؤولية الكاملة عن الأخطار التي يتعرض لها السوريون المُرحّلون قسراً ونطالب السلطات اللبنانية أن يتذكروا أن الشعب السوري كان وسيبقى جاركم وقد وقف معكم في حروبكم السابقة واستقبل اللاجئين اللبنانيين في بيوت السوريين.
-تسعى المعارضة السورية إلى بناء علاقات جيدة مع المؤسسات والجهات المعنية باللاجئين في الدول التي لجأ السوريون إليها هرباً من حرب النظام، وتتعاون معها بشكل حيوي لتحسين وضع اللاجئين السوريين وتوفير الدعم والحماية الكاملة لهم، لكن الحالة اللبنانية تخرج عن القاعدة، فحزب الله يتحكم بالدولة اللبنانية ويحتل قرى اللاجئين في سوريا وخاصة في القصير والقلمون، ويُحاول البعض استغلال قضية اللاجئين السوريين لأغراض سياسية ضاربين بعرض الحائط كل ما له علاقة بحقوق الإنسان واللاجئين.
تُحاول المعارضة السورية مع بعض الأصدقاء اللبنانيين تنبيه السلطات اللبنانية بأنها تخرق القوانين الدولية والإنسانية بترحيلها القسري للاجئين السوريين، كما تقوم برصد وتوثيق حالات الاعتقال والاختفاء والتعذيب التي يتعرض لها اللاجئون المرحّلون قسراً، وتنقل هذه المعلومات إلى المنظمات الدولية والدول الفاعلة من أجل الضغط السياسي على الجهات التي تمارس هذه الانتهاكات ونسعى لوقف العودة القسرية.

 

س – لا يزال مخيم الهول يُمثل بؤرة خطيرة لعوائل تنظيم الدولة الإسلامية، ولاتزال الدول تتهرب من استرجاع رعاياها، لماذا يتخوف العالم من تفكيك هذا المخيم الذي يُعتبر بمثابة قنبلة موقوتة؟
ج- لا يضم مخيم الهول بعض عائلات تنظيم الدولة الإسلامية فقط، بل يضم أيضاً الآلاف من النازحين والهاربين من المناطق التي كان يُسيطر عليها هذا التنظيم، ومن غيرها من مناطق أخرى يُسيطر عليها النظام، وتفكيك هذا المخيم دون إيجاد حلول منطقية إنسانية لآلاف النازحين واللاجئين فيه، ومنهم أطفال ونساء وشيوخ، سيؤدي لإلقائهم إلى التهلكة، كما أن عدم إيجاد حلول كريمة لهؤلاء النازحين قد يتسبب بعودة التطرف والعنف وقد يدفع بعض التنظيمات المتطرفة لاستقطاب بعض اليائسين، ومعروف أن النظام السوري ليس لديه الإمكانيات في تأمين حلول لهؤلاء، بل سيقوم بالتأكيد باعتقال الآلاف منهم إن تم تفكيك المخيم وتشريد النازحين المقيمين فيه.
-علينا السعي أولاً لتأمين الاحتياجات الإنسانية الكاملة لهذا المخيم، ومن ثم إيجاد حلول اجتماعية واقتصادية وإنسانية لعشرات آلاف النازحين المقيمين فيه، وضمان سلامتهم الكاملة وكرامة حياتهم، قبل أن يتم التفكير في تفكيكه عشوائياً، وهذا لا يمكن أن يكون مضموناً إلا عبر الحل السياسي المنسجم مع القرارات الدولية، وهو وحده يضمن الأمن المستدام وإنهاء ملفات النزوح واللجوء ويضمن العودة الكريمة للجميع إلى مدنهم وبيوتهم.

 

س- لا تزال قضية المعتقلين والمغيبين قسرياً غامضة، وبرغم الآلية الأممية بقي الملف بلا حلول، هل تخشون من ضياع الملف الذي يُعتبر أول أداة الحل السياسي؟
ج-تعتبر هيئة التفاوض السورية ملف المعتقلين ملفاً فوق تفاوضي، ويجب إنهاء قضايا المعتقلين والمختفين قسرياً بشكل مباشر، فهذه القضية هي قضية حقوق إنسان حيوية من الدرجة الأولى وغير مرتبطة بأي ملف آخر، وتسبق جميع الملفات بالنسبة لنا.
-تبذل قيادة هيئة التفاوض، واللجان القانونية ولجان المعتقلين فيها، ومنظمات مدنية وقانونية سورية عديدة، كل جهد ممكن لعدم نسيان أو تجاهل ملف المعتقلين والمختفين قسرياً في سوريا، وتعمل على المستوى الدولي بكل الوسائل القانونية والدبلوماسية والإعلامية للكشف عن مصير المختفين وإطلاق سراح المعتقلين ومحاسبة المسؤولين عن كل من انتهك حقوق الإنسان في سوريا، وتُقدّم دراسات لضمان حلول دائمة لهذه القضايا في سوريا المستقبل.
-لا شك أن هذا الأمر أيضاً يتطلب تعاوناً وتجاوباً دولياً كبيراً، واستخداماً للنفوذ، وفرضاً للعقوبات، واستنفاراً للمنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، من أجل الضغط على النظام السوري لإرغامه على حل هذا الملف بشكل نهائي والمضي بالحل السياسي.