عقدت هيئة التفاوض السورية اجتماعها الدوري في الثالث والرابع من حزيران/يونيو في مدينة جنيف. ناقش الاجتماع آخر تطورات الأوضاع داخل سوريا، وحجم المعاناة التي يعيشها السوريون في المناطق كافّة لا سيما بعد كارثة الزلزال الأخيرة وما يواجههم من تحديات جمّة وأُسّها الحق بالحياة الآمنة والحرة والكريمة. كما تمّت مناقشة الأحداث والتطورات الإقليمية والدولية المؤثرة في الشأن السوري ومواقف هيئة التفاوض السورية منها، وكيفية التعاطي معها بما يخدم قضية شعبنا وتطلعاته.
لطالما تطلعت هيئة التفاوض السورية إلى دور عربي قيادي وفعّال في القضية السورية، وعليه ناقش الاجتماع بكل موضوعية بيان عمّان الصادر عن عدد من وزراء الخارجية العرب بتاريخ 1 أيار 2023 الذي أوضح الملامح العامة للمبادرة العربية بشأن سورية وفقًا لمبدأ خطوة مقابل خطوة، وكذلك “إعلان جدّة” الصادر عن القادة العرب بتاريخ 19 أيار 2023، والذي خلا للأسف من أية إشارة إلى القرار ٢٢٥٤(٢٠١٥). كما تمت مناقشة الاجتماعات الثلاثية والرباعية في موسكو والبيانات والتصريحات التي صدرت عنها. وفي هذا السياق تؤكد هيئة التفاوض السورية على:
١- إنّ تنفيذ القرار ٢٢٥٤(٢٠١٥) بشكل كامل وصارم والذي يُفضي إلى انتقال سياسي حقيقي، هو الكفيل بالقضاء على الإرهاب وتحقيق السلم الأهلي، وضمان انسحاب المليشيات والقوات الأجنبية من الأراضي السورية، والحفاظ على وحدة سورية أرضًا وشعبًا، وضمان التزام سورية بالمحافظة على الأمن القومي العربي والإقليمي والدولي.
٢- تقديرها لكل جهد يسعى لتحقيق الحل السياسي المستدام حسب مضمون القرار ٢٢٥٤ (٢٠١٥)، والانتقال بسوريا إلى دولة ديمقراطية تعددية يتم فيها تداول السلطة سلمياً واحترام حرية التعبير وضمان حقوق جميع السوريين والسوريات.
٣- إنّ إعطاء الثقة المسبقة للنظام بإعادته إلى الجامعة العربية قبل التزامه بقرارات الشرعية الدولية، يحمل في طياته خطر تمسكه بالمكاسب المجانية التي سيحققها من التطبيع، وأن يرفض المضي بالحل السياسي أو تقديم أي خطوة ذات قيمة تجاه الاستقرار أو رفع معاناة الشعب السوري، أو تحصين الأمن القومي العربي.
٤- ضرورة تضافر جميع الجهود الوطنية والأممية للعودة الطوعية والآمنة للاجئين إلى وطنهم وأماكن سكناهم التي هُجّروا منها وإيقاف نزيف اللجوء، وإذ تقدّر عالياً جميع الدول التي استضافت اللاجئين السوريين وتتفهم حجم التحديات التي تواجهها، وتتطلع لعدم استمرار معاناة اللجوء، وتدين بشدة الممارسات والانتهاكات العنصرية بحقهم، وتؤكد أنّ ضمان أمن وسلامة اللاجئين في بلاد اللجوء حق لهم وفق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والاتفاقيات الخاصة باللاجئين، كما أنّنا نُذكّر بأن حظر الإعادة القسرية هو جزء من القانون الدولي العرفي، ما يُلزم جميع الدول باحترام مبدأ عدم الإعادة القسرية.
٥- مطالبتها للدول الشقيقة والصديقة بدعم جهود الأمم المتحدة لاتخاذ كل ما يلزم من قرارات لتطبيق الحل السياسي الشامل وفق منطوق قرار مجلس الأمن الدولي ٢٢٥٤(٢٠١٥)، فالظروف الدولية والإقليمية والسورية، والحراك النشط الخاص بالمسألة السورية يؤمن ظرفاً مناسباً باستئناف المفاوضات المباشرة حسب مندرجات القرار المذكور كافّة وفق جدول أعمال وجدول زمني محددان وعدم اقتصارها على استئناف أعمال اللجنة الدستورية.
وناقش المجتمعون ملف المعتقلين والمغيبين قسريًا، وهي القضية الأهم لدى السوريين عموماً وأُسر المعتقلين والضحايا خصوصاً، والتي لم يحدث فيها أي تطور ذو قيمة أو استمرارية نحو تحقيق العدالة والإفراج عنهم ومعرفة مصير المغيبين قسريّاً منهم، في هذا السياق تؤكد هيئة التفاوض أن هذه القضية هي أساس أي إجراء إنساني لبناء الثقة نحو تنفيذ قرار مجلس الأمن ٢٢٥٤ (٢٠١٥)، وهي قضية إنسانية ووطنية وأساس لبناء ثقة السوريين والسوريات بجدوى الحل السياسي، ويتوجب إبعادها عن أي تسييس أو تمييز على أي أساس أو أي استغلال من أي نوع كان.
كما تؤكد هيئة التفاوض السورية على أنه لا سلام مستدام بلا عدالة، ولا بد من محاسبة مرتكبي جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية. لذلك آن الأوان أن تعمد المنظمات الدولية المعنية وعلى رأسها الأمم المتحدة إلى اتخاذ الإجراءات القانونية والتنظيمية الكفيلة بتحقيق العدالة.
أما بخصوص الاحتياجات الإغاثية والإنسانية، فإنّها تزداد بسبب استمرار النظام بسياساته الاقتصادية والأمنية التي ثار الشعب ضدها، وتَجذّر الفساد فيها في ظل استمرار هجرة الرأسمال الوطني والموارد المالية والبشرية إلى خارج الوطن. لقد ترافق ذلك الازدياد في الاحتياجات مع انهيار القدرة الشرائية وتدني نسبة إيفاء الدول بتعهداتها لتمويل المساعدات، وعدم توزيعها بشكل متوازن وعادل بين المناطق السورية كافّة، وخضوع منظمات الأمم المتحدة لإملاءات النظام وابتزازه، ما أدّى إلى اختراق منظومة الفساد لمنظومة عمل وآليات توزيع المساعدات ما أفقدها قسماً كبيراً من فاعليتها.
إن المخاطر المحدقة والكوارث الطبيعية والمعاناة المأساوية تتطلب منا جميعًا الارتقاء إلى مستوى التحديات بدءًا من إعادة النظر بعين النقد الحازم في ممارستنا السياسية والتزام الشفافية والإحجام عن ممارسات التدمير الذاتي واستخلاص الدروس من أخطائنا لإصلاح بيتنا السياسي، عبر العمل على توحيد الطاقات ببناء أوسع التحالفات ومد الجسور والتركيز على المشترك، فهذا ليس أوان الفرقة والتشتت، ويأتي مع ذلك صياغة علاقة صحيّة بين المجتمع السياسي والمجتمع المدني، وتؤكد الهيئة على دعمها لأي تحرك مدني من شأنه تعزيز استقلالية المجتمع المدني وزيادة فاعليته لخدمة شعبنا السوري وترحب بكل خطوات لتنظيم قوى المجتمع المدني وتطوير قدراته وأدائه.
الرحمة والمجد للشهداء والحرية لشعبنا العظيم
هيئة التفاوض لقوى الثورة والمعارضة السورية
جميع الحقوق محفوظة © 2024 هيئة التفاوض لقوى الثورة والمعارضة السورية